ظهر منذ فجر الاسلام شخصيات عظيمة عُرفت بحكمتها و قوتها العظيمة فى قيادتها للدول الاسلامية ، ومن هذه الشخصيات التى لها اثر بارز حتى الآن هو الملك الناصر صلاح الدين الأيوبى .
أشتهر صلاح الدين بمعاملته الانسانية وتسامحه لخصومه ويعتبر من أشهر الشخصيات تقديراً واحتراماً فى الشرق الإسلامى و الغرب الأوروبى ، نال صلاح الدين احترام أعدائه خاصة الملك ريتشارد قلب الاسد وتحول صلاح الدين الايوبى رمز من رموز الفروسية والشجاعة، كما جاء ذكره فى عدد من الأشعار الإنجليزية والفرنسية فى ذلك الوقت ، فقال عنه المؤرخ الإنجليزى هملتون جيب "أن حياة صلاح الدين تجلت بطولاته ليس فى انتصاراته فقط ولكن فى النموذج الذى كان يقدمه وهو نموذج لإنسان تملكته الأمال والرؤى وأعجزه الزمن عن تحقيقها في القرن القرن العشرين ".
نسب صلاح الدين
هو صلاح الدين الأيوبى من عائلة كردية ،كريمة الأصل عظيمة الشرف هذه العائلة ملكت مصر والشام وعرفت بالدولة الايوبية .
ينتسب صلاح الدين إلى نجم الدين أيوب بن شادى بن مروان الكردى وهو الملقب بالملك الناصر صلاح الدين الأيوبى، ولد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب عام 532 هجرية الموافق 1138 ميلادياً ،فى بلدة تكريت القريبة من بغداد ،وكان كذلك فى اليوم الذى أمر فيه مجاهد الدين بهروز والى بغداد نجم الدين و أخاه شيركوه بمغادرة مدينة تكريت .
نشأة صلاح الدين
نشأ صلاح الدين فى السنوات الأولى من عمره على الفضائل الكريمة والخصال الحميدة وتربى تربية شديدة متينة صلبة واكتسب العادات الأصيلة والشجاعة والغيرة الإسلامية والمهارة الحربية من مجالسة الامراء ، ومن مصاحبته للقواد ، وقضي صلاح الدين شبابه فى قصر الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى أمير دمشق.
تعليم صلاح الدين
تعلم من العلماء قواعد اللغة العربية ومبادئ النحو كما تعلم الفروسية والرمى ، وتدرب على الأعمال الحربية ، كما برع صلاح الدين الأيوبي فى دراسة العلوم والرياضيات والهندسة ، وكان أكثر شغفاً بالعلوم الدينية والفقه الإسلامى كما كان ملماً بعلم الأنساب والسير الذاتية وتاريخ العرب والشعر .
تربى صلاح الدين منذ صغره علي هدف واحد فقط وهو تحرير القدس من الصلبيين ، وفى دمشق تعلم صلاح الدين الأيوبى من نور الدين محمود العدل وحب الجهاد بالإضافة إلى تأثر صلاح الدين بعمه أسد الدين شيركوه ، وأنضم صلاح الدين للعسكرية فى سن الرابعة عشر وتدرب على يد عمه شيركوه .
كان شيركوه قائد عسكرى فى جيش الدولة الزنكية ، وبدأ صلاح الدين يتولى مسئوليات قيادية كبيرة بسبب: شجاعته ورجاحة عقله فى الحملات العسكرية المهمة .
شارك صلاح الدين الأيوبى عمه أسد الدين شيركوه ضمن الجيش الذي أرسله نور الدين زنكى لضم مصر لإنقاذها من الصليبيين وكان ذلك عام 1164 ميلادية .
حكم صلاح الدين
مصر الفاطمية قبل ظهور صلاح الدين كانت دائمة الثورات الداخلية والنزاعات بين الطوائف المختلفة.
و لم يكن للخليفة فى ذلك الوقت أى سلطة حقيقة وكانت الامور جميعها فى يد المتغلبين من الوزراء والقواد وكانت مصر تعانى من الفوضي والاضطرابات وذلك بسبب الصراعات الداخلية التى قامت بين الوزراء للاستحواذ على السلطة وفى ذلك الوقت كان الصلبيين يسعون لغزو مصر والسيطرة عليها ، واستطاع جيش الزنكيين بقيادة شيركوه وصلاح الدين طرد الصلبيين من مصر ، وأصبح أسد الدين شيركوه هو صاحب النفوذ الأكبر فى الدولة الفاطمية.
فقام الخليفة الفاطمى العاضد بتعيينه وزيراً له لكنه أستمر في منصب الوزارة لفترة محددودة ثم قرر العاضد تعيين صلاح الدين الأيوبى وزيراً خلفاً لعمه رغم صغر سنة ،على الرغم من وجود كبار القواد ؛ لأن الخليفة الفاطمى (العاضد) كان يريد التغلب على صلاح الدين وأنه سيكون رهن إشارته .
تولى صلاح الدين الوزارة وكان عمره 32 عام فصغر سنة كان موضع حسد كثير من رجال الدولة واعتبروه دخيلاً عليهم ، فكانوا يدبرون المؤامرات حتى يتخلصوا من الوزير الطموح ، كما كان الفرنج يرقبون تحركاته ويتربصون بصلاح الدين ويكيدون له المكائد.
ولكن بحكمته السياسية وحسن تدبيره للامور، استطاع صلاح الدين أن يقضى على المؤامرات الداخلية والخارجية وبدأ يسند المناصب فى الدولة الفاطمية إلى أنصاره وأقربائه وفرض سيطرته علي الدولة بشكل أكبر وبدأ في أضعاف نفوذ الخليفة الفاطمي بشكل تدريجي وفي خلال عامين فقط استطاع صلاح الدين القضاء على الخلافة الفاطمية عام 1171 ميلادية بعد زوال آخر خلفائها (العاضد) .
وأسس الدولة الايوبية فى مصر وظل على الولاء لنور الدين زنكى فى الشام.
قام صلاح الدين الايوبى باتخاذ عدة إجراءات وذلك لتحويل مصر من المذهب الشيعى إلى المذهب السنى فأمر بالدعاء للخليفة العباسى على المنابر وأغلق المسجد الأزهر مركز الدعوة الفاطمية الشيعية وعزل قضاة الشيعة وأسس مدرستين فى الفسطاط على المذهب السُنى هما:
- المدرسة الناصرية
- المدرسة الكاملية
عمل صلاح الدين الأيوبى على تأمين مصر فضم النوبة وبرقة عام 1173 ميلادية وضم الحجاز واليمن عام 1174 م.
وفى هذا الوقت دخلت الدولة الزنكية فى بلاد الشام بعد نور الدين زنكى فى حالة من الفوضى وتولى ابنه الصالح إسماعيل وكان لصلاح الدين نظرة للقضاء على الصلبيين فى بلاد المسلمين وهذا عن طريق توحيد مصر والشام فى بلدة واحدة والاستفادة من مواردهم الكثيرة فى الانتصار على الصلبيين فتحرك بجيشه من مصر إلي بلاد الشام ودخل مصر فى نوفمبر 1174 م. 570 هجرياً واستطاع ضم مدينة حماه ، وذهب إلي حصار حلب وتعرض لمحاولة اغتيال ولكنها لم تنجح و التى قام بها الحشاشين عن طريق ارسال كتيبة مكونة من 13 شخص استطاعو التسلل للمعسكر والتوجة الى خيمة صلاح الدين وظهر أمرهم قبل الهجوم علي صلاح الدين الايوبى ، وقتل أحد منهم علي يد أحد القادة .
وفى سنة 1175 استطاع صلاح الدين الايوبى التصدى لمحاولة قام بها الصلبيين لغزو حمص وبعدها حارب الزنكنيين بقيادة أمير الموصل سيف الدين غازى وانتصر صلاح الدين الايوبى وخضعت بلاد الشام له وأعطاه الخليفة العباسى لقب سلطان مصر والشام ، ولتقوية نفوذه قرر صلاح الدين الزواج بأرملة نور الدين زنكى والتى كانت بنت أحد حكام دمشق السابقين وعقد هدنة مع مملكة بيت المقدس وبعد ذلك عاد إلى مصر وأمر ببناء قلعة القاهرة أو قلعة الجبل المعروفة بقلعة صلاح الدين الآن.
وفي 573 هجرياً (نوفمبر 1177 م) هجم الصلبيين على ضواحى مدينة دمشق واعتبر صلاح الدين أن هذا نقض للهدنة ، فجهز الجيش واتجه إلي فلسطين حتى أصبح على حدود القدس لكن تحرك سلطان بيت المقدس وحاكم الكرك للتصدى إليه بالقرب من عسقلان ، والرغم من كثرة عدد جيش المسلمين إلا أن صلاح الدين الايوبى تردد فى الهجوم ونتيجة لهذا التردد قام الصلبيين بهجوم مفاجئ على الايوبيين فقام صلاح الدين الايوبى بالانسحاب ، ثم جمع القواد وقام بهجوم شديد علي الصلبيين فى أبريل 1179م 575 هجرياً وأنتصر عليهم فى معركة مرج عيون وأسر ملك بيت المقدس ، وفى شهر يونيه أنتصار عليهم مرة أخرى فى معركة خليج يعقوب فقرر الصلبيين بناء حصن قوى علي الطريق المؤدى إلى دمشق لاعتراض خطوط الحج فقدم صلاح الدين لملك بيت المقدس ألف قطعة ذهبية مقابل أن يترك الحصن لكن ملك بيت المقدس لم يوافق .
فهجم صلاح الدين وجيشه على الصلبيين واستطاع اقتحام الحصن وتدميره فى أغسطس 1177م 573 هجرياً.
وفى عام 1180م أُقيمت هدنة بين صلاح الدين والصلبيين مدتها عامان لكن قرر الحاكم الصليبى لمدينة الكرك أرناط خرق الهدنة بعد فترة من توقيعها عن طريق نهب أحد القوافل الاسلامية فأمره صلاح الدين بإعادتها لكن الملك الصليبى لم يوافق ، ووضع خطة لإرسال قوات عن طريق البحر الأحمر لهدم الكعبة وسرقة جسد الرسول(صلى الله عليه وسلم) لكن استطاع أسطول المسلمين اعتراض القوات الصليبية وقتلها وجهز صلاح الدين أسطول وهاجم الصلبيين في بيروت ، وفى سنة 1183م وقعت قلعة حلب فى يد الملك صلاح الدين واستمر أرناط حاكم الكرك في الهجوم علي قوافل المسلمين التجارية فحاصر الملك صلاح الدين الايوبى قلعة الكرك مرتان مرة فى 1183م ومرة ثانية فى 1184م.
فكان رد أرناط نهب قافلة حجاج في 1185م فى نفس الوقت تغير الحكم داخل مملكة بيت المقدس وتولي الحكم الملك جي دي لوزنيان ، وفى 5يوليو 1187م حدثت معركة حطين بين المسلمين والصلبيين وانتصر فى هذه المعركة صلاح الدين ثم حرر مدن عكا ويافا وقيسارية وعسقلان لإبعاد القدس عن أى إمدادات أوربية.
ثم توجه إلي حصار القدس فى سنة 583 هجرياً وبعد فرض الحصار علي القدس استسلمت المدينة ودخل الملك صلاح الدين مدينة القدس في ليلة المعراج الموافق 2 أكتوبر 1187م (583 هجرياً).
عامل الملك صلاح الدين سكان القدس معاملة مختلفة عن معاملة الصلبيين ، وأمر الملك صلاح الدين الجيش أن يضعوا المنبر الذى بناه نور الدين زنكى داخل المسجد الاقصى ( دُمر فى محاولة لحرق المسجد الاقصى عام 1969م ) ، وأمر صلاح الدين بتطهير الصخرة المشرفة وترميم مسجد عمر بن الخطاب وعُرف عن صلاح الدين الايوبى الشهامة والتسامح وهناك موقف يثبت هذا وهو موقفه مع الصلبيين بعد السيطرة على القدس فسمح لهم بالخروج من القدس بشكل سلمى دون التعرض لهم بالأذي مقابل دفع فدية قدرها 10دنانير .
ولكن لم يوافق أغنياء الصلبيين دفع هذه الفدية للفقراء ، فدفعها صلاح الدين عنهم من ماله الخاص ، وبعد وقوع مملكة القدس فى يد صلاح الدين الايوبى دعت الفاتيكان لحملة صليبيية لإستعادة مدينة القدس وسميت بحملة الملوك نسبة لمشاركة عدد كبير من ملوك اوروبا الذى كان منهم : ريتشارد قلب الاسد حاكم إنجلترا، وفيليب الثانى ملك فرنسا ، وفردريك بربروسا الامبراطور الرومانى ، وتجمعوا فيى مدينة صور ومن هذه المدينة شن الصلبيين حصار أستمر لمدة عامين علي مدينة عكا ومع وصول الحملة الصليبية ذهبت لمساندة الحصار ، وكان الحصار شديد ولهذا استسلم المسلمين وسقطت فى يد الصلبيين وقتلوا جميع المسلمين الذين كانوا فى المدينة.
وفى 7ستمبر 1191 هجم صلاح الدين على جيوش الصلبيين بقيادة ريتشادر قلب الاسد وهُزم صلاح الدين فى هذه المعركة ولكن الصلبيين لم يستطيعوا الدخول إلى الأراضى واستمروا فى المناطق الساحلية ، وفشلو فى إحتلال مدينة القدس وفى 1192م وقع صلاح الدين هدنة مع الصلبيين مدتها 3 سنوات و8 أشهر وسميت بمعاهدة الرملة وهذا بعدما أجهدت الحرب الطرفين المسلمين ، والتي نصت على أن تنحصر مملكة بيت المقدس فى شريط ساحلى مابين يافا وصور وتستمر مملكة بيت المقدس فى يد المسلمين مع السماح للصلبيين بالحج إليه .
و قال ريتشارد قلب الاسد عن صلاح الدين أنه أمير عظيم وأنه بلا شك أعظم ملك فى العالم الاسلامى.
ويروى عن صلاح الدين أنه قال عن ريتشارد أنه لا يوجد قائد مسيحى أشرف من ريتشارد قلب الاسد .
وبعد معاهدة الرملة تبادلت الهدايا بين صلاح الدين و ريتشارد كنوع من أنواع الاحترام بينهم ، لكنهم لم يتقابلوا أبداً .
وفاته
وفى 1193 أنتهى حكم صلاح الدين الايوبى ودخلت الدولة الايوبية فى حالة من الفوضى وصرعات على الحكم ، ولكنها انتهت بعد تولى العادل للحكم ولكن الدولة الايوبية لم تستمر طويلاً وسقطت في 1260 م وفي 1917م ، ومع هزيمة الدولة العثمانية فى الحرب العالمية الأولى وقعت القدس فى يد الإنجليز ، وقال القائد البريطانى" اليوم انتهت الحروب الصليبيه ودخل الجيش الفرنسي بلاد الشام 1920 م " بقيادة الجنرال هنرى جورو وأول ما زاره فى دمشق ضريح صلاح الدين و قام بركله و قال " ها قد عدنا يا صلاح الدين و وجودى هنا يمثل انتصار الصليب على الهلال وهذا أكبر دليل على استمرار الحروب الصليبية على الدول الاسلامية ".
تعليقات
إرسال تعليق